توضيح مصرف ليبيــا المركزي حول أزمة نقص السيولة

إنَّ أحد أهم مصادر السيولة النقدية للمصارف التجارية هي الودائع ، فالمصارف تعتمد اعتماداً كبيراً على ما يتم إيداعه من قبل الافراد والتجار والشركات من اموال في حساباتهم، إذ تشكل الودائع بمختلف أنواعها نسبة قد تتجاوز 80% من إجمالي خصوم المصارف التجارية ، وكنتيجة لحالة عدم اليقين التي تعيشها البلاد بسبب الانقسام السياسي وتردي الأوضاع الأمنية مع نهاية عام 2014، وعدم إمكانية مؤسسات الدولة الامنية من فرض سيطرتها على حالة الوضع الامني واستتباب الأمن ، تفشت ظاهرة الجريمة من خطف وسطو مسلح وابتزاز وحرابة ، وأصبحت الجريمة المنظمة تنشط وتتوسع لتشمل القطاع المصرفي من خلال السطو على بعض المصارف وسرقة ما تحتويه من سيولة نقدية ، وهو ما فرض حالة من الفزع والخوف لدى الأفراد والتجار والشركات من تسرب أي معلومات عن حساباتهم أو كشفها بطريقة غير مباشرة ، الأمر الذي ترتب عليه سحبهم لودائعهم، وعدم إيداع أي مبالغ مالية خوفاً من أن تطال هذه المعلومات ايادي المجرمين فيتعرضون للخطف أو الابتزاز، مما انعكس ذلك في انهيار الثقـة بين القطاع المصرفي وعملائه، حيث ارتفع حجم العملة في التداول من 13.4 مليار دينار عام 2013 إلى 27.1 مليار دينار عام 2016 مشكّلة بذلك نسبة 97.8% من اجمالي العملة المصدرة. كمـا أن تشظي المؤسسات السيادية في البلاد وعدم الانضباط المالي وتعدد قنوات الصرف في شرق وغرب البلاد أدى إلى ارتفاع حجم الخصوم الايداعية ، وبالتــالي زيادة طلب الافراد على النقود الورقية والاحتفاظ بها كنوع من التحوط للأوضاع السياسية والاقتصادية والامنية في المستقبل.

عليــه يُمكن القول أنَّ السبب الرئيس لمشكلة السيولة النقدية يعزى لجملة من العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والامنية التي تمر بها البلاد ، فالانقسام السياسي وتردي الأوضاع الامنية علاوة على بعض الصراعات المسلحة التي شهدتها بعض المدن وما نجم عنها من تمزق للنسيج الاجتماعي في أغلب هذه  المناطق ، ونزوح العديد من العائلات من وإلى العديد من هذه المدن ، خلق ضغط على المصارف الواقعة فيها بسبب زيادة الطلب على العملة المحلية لغرض المعاملات والاحتياط والمضاربة ، ولا سيما في ظل إرتفاع بند المصروفات الجارية وبالتحديد بند المرتبات، والذي يقدر 1.6 مليار دينار شهرياً،  الأمر الذي ترتب عليه زيادة في الطلب على السلع والخدمات على الرغم من ارتفاع أسعارها، مما ساهم وبشكل كبير في زيادة الطلب على النقود الورقية، نــاهيك عن عدم وجود أي ايداعات تذكر ، والتي تعد المصدر الرئيس لموارد المصـــارف التجارية مما نجم عنه عجز المصارف عن تغطية كافة طلبات السيولة .

وعلى الرغم من  الانقسام السياسي وتردي الوضع الأمني ، ناهيك عن انقسام المصرف المركزي ، عمل المصرف إلى انتهاج جملة من السياسات للتخفيف من حدة مشكلة السيولة المحلية ، فعلى سبيل المثال لا الحصر:

  • اشترط مصرف ليبيا المركزي في منشوره الصادر رقم (2) لعام 2016 ، بشأن وضع الضوابط والشروط والاجراءات المنظمة لفتح الاعتمادات المستندية ، أن تكون قيمة الغطاء النقدي مقابل فتح الاعتماد المستندي نسبة 130% من قيمة الاعتماد ، وذلك بهدف سحب السيولة من قبل التجار بدل من اكتنازها.
  • عمل مصرف ليبيا المركزي على تطوير أنظمة الدفع الالكتروني من خلال توسيع انتشار البطاقات الالكترونية وآلات السحب الذاتي وبطاقات الدفع المسبق في محاولة للحد من الطلب على الاوراق النقدية وتعزيز استخدام طرق الدفع الالكتروني.

وتجـدر الاشارة إلى أنَّ كافة الحلول المُتاحة لمشكلة السيولة في الحقيقية ما هي إلا اجراءات للحد من تفاقم المشكلة ، وأنَّ الحل الرئيس لهذه المشكلة يكمن في الاستقرار السياسي والانضباط المالي وتوحيد المؤسسات السيادية واستقرار الأوضاع الأمنية في البلاد ، وانتهاء حالة عدم اليقين التي تنـفر رؤوس الأموال وتعمّق من أزمة السيولة .